كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{قل} يا محمد لهؤلاء الذين يختلقون على الله الكذب فيقولون عليه الباطل ويزعمون أنّ له ولدًا: {إنَّ الذين يفترون} أي: يتعمدون: {على الله الكذب لا يفلحون} أي: لا ينجحون في سعيهم ولا يفوزون بمطلوبهم بل خابوا وخسروا، فإنهم لا ينجون من النار ولا يفوزون بالجنة، ومن الناس من إذا فاز بشيء من المطالب العاجلة والمقاصد الخسيسة ظنّ أنه قد فاز بالمقصد، والله سبحانه وتعالى أزال هذا الخيال بأن قال: {متاع في الدنيا} وفيه إضمار تقديره: لهم متاع في الدنيا، على أنه مبتدأ خبره محذوف، ويصح أن يكون خبرًا لمبتدأ محذوف تقديره: افتراؤهم متاع في الدنيا يقيمون به رياستهم في الكفر أو حياتهم أو تقلبهم متاع في الدنيا وهو أيام يسيرة بالنسبة إلى طول بقائهم في العذاب: {ثم إلينا مرجعهم} بالموت: {ثم نذيقهم العذاب الشديد} بعد الموت: {بما} أي: بسبب ما: {كانوا يكفرون} ولما ذكر سبحانه وتعالى في هذه السورة من أحوال كفار قريش وما كانوا عليه من الكفر والعناد شرع بعد ذلك في قصص الأنبياء وما جرى لهم مع أممهم وذكر الله تعالى منهم في هذه السورة ثلاث قصص:
القصة الأولى: قصة نوح عليه السلام المذكورة بقوله تعالى: {واتل} يا محمد: {عليهم} أي: كفار قريش: {نبأ} أي: خبر: {نوح} وذلك ليكون لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأصحابه أسوة ممن سلف من الأنبياء، فإنه كان صلى الله عليه وسلم إذا سمع أنّ معاملة هؤلاء الكفار مع كل الرسل ما كان إلا على هذا الوجه خف ذلك على قلبه، كما يقال: المصيبة إذا عمت خفت، ولأنّ الكفار إذا سمعوا هذه القصص، وعلموا أنّ الجهال وإن بالغوا في إيذاء الأنبياء المتقدّمين، إلا أنّ الله تعالى أعلنهم بالآخرة ونصرهم وأيدهم وقهر أعداءهم؛ كان سماع هؤلاء الكفار لأمثال هذه القصص سببًا لانكسار قلوبهم ووقوع الخوف والوجل في صدورهم، ولأنّ الكلام إذا طال تقريرًا في نوع من أنواع العلوم فربما حصل نوع من أنواع الملالة، فإذا انتقل الإنسان من ذلك الفن من العلم إلى فن آخر شرح صدره، وطاب قلبه، ووجد في نفسه رغبة جديدة وقوّة حادثة وميلًا قويًا؛ ولأنه صلى الله عليه وسلم لما لم يتعلم علمًا ولم يطالع كتابًا ثم ذكر هذه القصص من غير تفاوت، ومن غير زيادة، ومن غير نقصان؛ دل ذلك على أنه صلى الله عليه وسلم إنما عرفها بالوحي والتنزيل ويبدل من نبأ نوح: {إذ قال لقومه} وهم بنو قابيل: {يا قوم إن كان كبر} أي: شق وعظم: {عليكم مقامي} أي: لبثي فيكم ألف سنة إلا خمسين عامًا: {وتذكيري} أي: وعظي إياكم: {بآيات الله} أي: بحجته وبيناته، فعزمتم على قتلي وطردي: {فعلى الله توكلت} أي: فهو حسبي وثقتي أو قيامي على الدعوة؛ لأنهم كانوا إذا وعظوا الجماعة قاموا على أرجلهم يعظونهم ليكون مكانهم بينًا، وكلامهم مسموعًا كما يحكى عن عيسى عليه السلام أنه كان يعظ الحواريين قائمًا وهم قعود.
{فأجمعوا أمركم} أي: فاعزموا على أمر تفعلونه في أذاي بالإهلاك أو غيره: {وشركاءكم} أي: وادعو شركاءكم أو الواو وبمعنى مع، أي: مع شركائكم وهي الأصنام، وإنما حثهم على الاستعانة بها بناء على مذهبهم الفاسد، واعتقادهم أنها تضرّ وتنفع مع اعتقاده أنها جماد لا تضرّ ولا تنفع تبكيتًا وتوبيخًا لهم: {ثم لا يكن أمركم} أي: الذي تقصدوني به: {عليكم غمة} أي: مستورًا من غمه إذا ستره، بل أظهروه وجاهروني مجاهرة، فإنه لا معارضة لي بغير الله الذي يستوي عنده السرّ والجهر: {ثم اقضوا إليّ} أي: امضوا ما في أنفسكم وافرغوا منه، يقال: قضى فلان إذا مات، ومضى وقضى دينه إذا فرغ منه. وقيل: معناه توجهوا إليّ بالقتل والمكروه. وقيل: فاقضوا ما أنتم قاضون، وهذا مثل قول السحرة لفرعون: {فاقض ما أنت قاض} أي: اعمل ما أنت عامل: {ولا تنظرون} أي: ولا تؤخرون بعد إعلامكم إياي ما أنتم عليه، وإنما قال ذلك إظهارًا لقلة مبالاته وثقته بما وعده ربه من كلامه وعصمته، وأنهم لن يجدوا إليه سبيلًا: {فإن توليتم} أي: أعرضتم عن تذكيري: {فما سألتكم من أجر} أي: من جعل وعوض على تبليغ الرسالة، فينفركم عني وتتهموني لأجله من طمع في أموالكم، وطلب أجر على عظتكم، ومتى كان الإنسان فارغًا عن الطمع كان قوله أقوى تأثيرًا في القلب: {إن أجري إلا على الله} وهو الثواب الذي يثيبني به في الآخرة، أي: ما أنصحكم إلا لوجه الله تعالى لا لغرض من أغراض الدنيا. وهكذا ينبغي لكل من ينفع الناس بعلم أو إرشاد إلى طريق الله تعالى: {وأمرت أن أكون من المسلمين} أي: إني مأمور بالاستسلام لكل مكروه يصل إليّ منكم لأجل هذه الدعوة، وقيل: بدين الإسلام وأنا ماض فيه غير تاركٍ له قبلتموه أو لم تقبلوه.
{فكذبوه} أي: أصرّوا على تكذيبه، بعدما ألزمهم الحجة، وبين أن توليتهم ليست إلا لعنادهم وتمردهم لا جرم حقت عليهم كلمة العذاب: {فنجيناه} من الغرق: {ومن معه في الفلك} أي: السفينة وكانوا ثمانين: {وجعلناهم} أي: الذين أنجيناهم معه في الفلك: {خلائف} في الأرض يخلقون الهالكين بالغرق: {وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا} بالطوفان، وقوله تعالى: {فانظر} أي: أيها الإنسان أو يا محمد: {كيف كان عاقبة المنذرين} تعظيم لما جرى عليهم وتحذير لمن أنذرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مثله وتسلية له، وهذه القصة إذا سمعها من صدّق النبيّ صلى الله عليه وسلم ومن كذب به كان زجرًا للمكلفين من حيث يخافون أن ينزل بهم مثل ما نزل بقوم نوح، وتكون داعية للمؤمنين على الثبات على الإيمان ليصلوا إلى مثل ما وصل إليه قوم نوح، وهذه الطريقة في الترغيب والتحذيرإذا جرت على سبيل الحكاية عمن تقدّم كانت أبلغ من الوعيد المبتدأ، ولهذا الوجه أكثر تعالى ذكر أقاصيص الأنبياء عليهم السلام.
{ثم بعثنا من بعده} أي: نوح: {رسلًا إلى قومهم} لم يسم هنا تعالى من كان بعد نوح من الرسل، وقد كان بعده هود وصالح وإبراهيم ولوط وشعيب صلوت الله وسلامه عليهم: {فجاؤوهم بالبينات} أي: بالمعجزات الواضحات التي تدل على صدقهم: {فما كانوا ليؤمنوا} أي: فما استقام لهم أن يؤمنوا لشدّه عنادهم وخذلان الله تعالى إياهم: {بما} أي: بسبب ما: {كذبوا به من قبل} أي: أنهم كانوا قبل بعثة الرسل إليهم أهل جاهلية مكذبين بالحق، فما وقع فصل بين حالتيهم بعد بعثة الرسل وقبلها كأن لم يبعث إليهم أحد: {كذلك} أي: مثل ما طبعنا على هؤلاء بسبب تكذيبهم الرسل: {نطبع} أي: نختم: {على قلوب المعتدين} في كل زمن لكل من تعمد العدول فيما لا يحلّ له، فلا يقبل الإيمان لانهماكهم في الضلال واتباعهم المألوف. وفي أمثال ذلك دليل على أن الأفعال واقعة بقدرة الله تعالى وكسب العبد.
القصة الثانية: قصة موسى عليه السلام المذكورة بقوله تعالى: {ثم بعثنا من بعدهم} أي: هؤلاء الرسل: {موسى وهارون إلى فرعون وملئه} أي: أشراف قومه وغيرهم تبع لهم، فهو مرسل إلى الجميع: {بآياتنا} التسع: {فاستكبروا} عن اتباعها والإيمان بها، وهو أعظم الكبر أن يتهاون العبيد برسالة ربهم بعد تبيينها ويتعظموا عن قبولها: {وكانوا قومًا مجرمين} أي: كفارًا ذوي آثام عظام، فلذلك استكبروا عنها واجترؤوا عن ردّها.
{فلما جاءهم الحق} أي: جاء فرعون وقومه: {من عندنا} أي: الذي جاء به موسى من عند ربه، وعرفوا أنه ليس من عند موسى وهارون لتظاهر المعجزات الظاهرات المزيحة للشك: {قالوا} أي: غير متأملين له ولا ناظرين في أمره لفرط تمرّدهم: {إن هذا لسحر مبين} أي: بين ظاهر يعرفه كل أحد، وهم يعلمون أنّ الحق أبعد شيء من السحر الذي لا يظهر إلا على كافر أو فاسق، وقوله تعالى: {قال موسى أتقولون للحق لما جاءكم أسحر هذا} فيه حذف تقديره: أتقولون للحق لما جاءكم هو سحر أسحر هذا، فحذف السحر الأوّل اكتفاء بدلالة الكلام عليه، ثم قال أسحر هذا؟ وهو استفهام على سبيل الإنكار بمعنى أنه ليس بسحر، ثم احتج على صحة قوله تعالى فقال: {ولا يفلح الساحرون} فإنه لو كان سحرًا لاضمحل ولم يبطل سحر السحرة، فقلب العصا حية، وفلق البحر معلوم بالضرورة أنه ليس من باب التمويه والتخييل، فثبت أنه ليس بسحر: {قالوا} أي: قوم فرعون لموسى: {أجئتنا لتلفتنا} أي: لتردّنا وتصرفنا واللفت والفتل أخوان: {عما وجدنا عليه آباءنا} أي: من الدين وعبادة الأصنام، ثم قالوا لموسى وهارون: {وتكون لكما الكبرياء} أي: الملك والعز: {في الأرض} أي: أرض مصر. قال الزجاج: سمى الملك كبرياء لأنه أكبر ما يطلب من أمر الدنيا، وأيضًا الملوك موصوفون بالكبر، ولهذا وصف ابن الرقيات مصعبًا في قوله:
ملكه ملك رأفة ليس فيه ** جبروت منه ولا كبرياء

ينفي ما عليه الملوك من ذلك، ويجوز أن يقصدوا بذلك ذمهما، وأنهما إن ملكا أرض مصر تجبرا وتكبرا، كما قال القبطي لموسى عليه السلام: {إن تريد إلا أن تكون جبارًا في الأرض} (القصص): {وما نحن لكما بمؤمنين} أي: بمصدقين فيما جئتما به: {وقال فرعون} لقومه إرادة للمناظرة لما أتى به موسى عليه السلام: {ائتوني بكل ساحر عليم} أي: بالغ في علم السحر لئلا يفوت شيء من السحر بتأخر البعض. وقرأ حمزة والكسائي بغير ألف بين السين والحاء، وتشديد الحاء مفتوحة وألف بعدها بصيغة فعال دالّ على زيادة قلق فرعون، والباقون بألف بعد السين وتخفيف الحاء مكسورة ولا ألف بعدها.
{فلما جاء السحرة} أي: كل من في أرض مصر، منهم قالوا لموسى: إمّا أن تلقي وإمّا أن نكون نحن الملقين: {قال لهم موسى ألقوا} جميع: {ما أنتم ملقون} فإن قيل: كيف أمرهم بالكفر والسحر والأمر بالكفر كفر؟
أجيب: بأنه إنما أمرهم بإلقاء ما معهم من الحبال والعصيّ التي معهم ليظهر للخلق، إنما أتوا به عمل فاسد وسعي باطل لا على طريق أنه عليه السلام أمرهم بالسحر.
{فلما ألقوا} مامعهم من الحبال والعصيّ وخيلوا لسحرهم أعين الناس أنها تسعى: {قال موسى} منكرا عليهم: {ماجئتم به السحر} قرأه أبو عمرو بهمزتين الأولى همزة الاستفهام فهي مفتوحة والثانية همزة وصل، وله فيها وجهان: التسهيل والبدل، فما استفهامية مبتدأ. وجئتم به خبرها، والسحر بدل منه، وقرأ الباقون بهمزة وصل فتسقط في الوصل، أي: الذي جئتم به هو السحر لا ما سماه فرعون وقومه سحرًا، ثم أخبره موسى عليه السلام بقوله: {إن الله سيبطله} أي: يهلكه ويظهر فضيحة صاحبه: {إن الله لا يصلح عمل المفسدين} أي: لا يثبته ولا يقوّيه. وقول البيضاوي: وفيه دليل على أن السحر إفساد وتمويه لا حقيقة له محمول على ما يفعله أصحاب الحيل بمعونة الآلات والأدوية وإلا فله حقيقة فهو حق عند أهل السنة، وهو علم بكيفية استعدادات تقتدر بها النفوس البشرية على ظهور التأثير في عالم العناصر: {ويحق} أي: يثبت ويظهر: {الله الحق بكلماته} أي: بقضائه ووعده الصادق لموسى عليه السلام. وقد أخبر الله تعالى في غير هذه السورة أنه كيف أبطل ذلك السحر، وذلك بسبب أن ذلك الثعبان قد تلقف تلك الحبال والعصيّ: {ولو كره المجرمون}. ولما بين تعالى أن قوم موسى شاهدوا هذه المعجزات ومع ذلك لم يؤمن منهم إلا القليل كما قال تعالى: {فما آمن لموسى إلا ذريّة من قومه} وإنما ذكر تعالى ذلك تسلية لمحمد صلى الله عليه وسلم لأنه كان يغتمّ بسبب إعراض القوم عنه واستمرارهم على الكفر بين تعالى أنّ له في هذا الباب بسائر الأنبياء أسوة؛ لأنّ الذي ظهر من موسى عليه السلام من المعجزات كان أمرًا عظيمًا، ومع ذلك فما آمن له إلا ذرية من قومه، والذرية اسم يقع على القليل، من القوم. قال ابن عباس: الذرية القليل، والهاء التي في قومه راجعة إلى موسى، أي: فما آمن من قومه إلا طائفة من ذراري بني اسرائيل، كأنه قيل إلا أولاد قومه، وذلك أنه دعا الآباء فلم يجيبوه خوفًا من فرعون، وإجابته طائفة من أبنائهم مع الخوف. وقيل: راجعة إلى فرعون، والذرية: امرأته آسية ومؤمن آل فرعون وخازن فرعون وامرأة خازنه وماشطته: {على خوف من فرعون وملئهم} أي: خوف منه؛ لأنه كان شديد البطش، وكان قد أظهر العداوة مع موسى، وإذا علم ميل القوم إلى موسى، كان يبالغ في إيذائهم، فلهذا السبب كانوا خائفين منه ومن أشراف قومه، والضمير لفرعون وجمعه على ما هو المعتاد في ضمير العظمة؛ لأنه ذو أصحاب يأتمرون به. وقيل: المراد بفرعون آله. كما يقال ربيعة ومضر: {أن يفتنهم} أي: يصرفهم ويصدّهم عن الإيمان: {وإنّ فرعون لعال} أي: متكبر قاهر: {في الأرض} أي: أرض مصر: {وإنه لمن المسرفين} أي: المجاوزين الحدّ، فإنه كان من أخس العبيد وادّعى الربوبية، وكان كثير القتل والتعذيب لبني إسرائيل.
{وقال موسى} لقومه: {يا قوم إن كنتم آمنتم بالله} أي: صدقتم به وبآياته: {فعليه توكلوا} أي: ثقوا به واعتمدوا عليه فإنه ناصر أوليائه ومهلك أعدائه: {إن كنتم مسلمين} أي: مستسلمين لقضاء الله تعالى مخلصين له. وقيل: إن كنتم آمنتم بالقلب وأسلمتم بالظاهر.
{فقالوا} مجيبين له: {على الله توكلنا} أي: عليه اعتمدنا لا على غيره، ثم دعوا ربهم فقالوا: {ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين} أي: لا تسلطهم علينا فيفتنوننا.
{ونجنا} أي: خلصنا: {برحمتك من القوم الكافرين} أي: من أيدي قوم فرعون؛ لأنهم كانوا يستعبدونهم ويستعملونهم في الأعمال الشاقة، وإنما قالوا ذلك لأنهم كانوا مخلصين، لا جرم أنّ الله تعالى قبل توكلهم، وأجاب دعاءهم ونجاهم، وأهلك من كانوا يخافونه، وجعلهم خلفاء في الأرض. وفي تقديم التوكل على الدعاء تنبيه على أنّ الداعي ينبغي أن يتوكل أوّلًا لتجاب دعوته. ولما شرح الله تعالى خوف المؤمنين من الكافرين وما ظهر فيهم من التوكل على الله تعالى أتبعه بأن أمر موسى وهارون عليهما السلام باتخاذ البيوت بقوله تعالى: {وأوحينا إلى موسى وأخيه} أي: الذي طلب مؤازرته ومعاضدته: {أن تبوّأا} أي: اتخذا: {لقومكما بمصر بيوتًا} تسكنون فيها أو ترجعون إليها للعبادة: {واجعلوا} أنتما وقومكما: {بيوتكم} أي: تلك البيوت: {قبلة} مصلى أو مساجد كما في قوله تعالى: {في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه} (النور). موجهة نحو القبلة، أي: الكعبة، وكان موسى عليه السلام يصلي إليها. وقرأ ورش وأبو عمرو وحفص بيوتًا وبيوتكم برفع الباء، والباقون بالخفض: {وأقيموا الصلاة} فيها ذكر المفسرون في كيفية هذه الواقعة وجوهًا ثلاثة:
الأوّل: أنّ موسى عليه السلام ومن معه كانوا في أوّل أمرهم مأمورين بأن يصلوا في بيوتهم خفية من الكفرة لئلا يظهروا عليهم ويؤذوهم ويفتنوهم عن دينهم كما كان المؤمنون على هذه الحالة في أوّل الإسلام بمكة.